حصَل « تونس التعبير » من مصادر خاصّة موثوق بها (بشكل متزامن مع مواقع أخرى) على نسخة من محتويات قُرص تخزين رقمي يعود، على الأرجح، لأحد ضبّاط « البوليس السياسي ». وأكدّت المعلومات التي احتواها القرص وقوع عمليّات مراقبة لأنشطة سياسية ونقابيّة وطلابية. كما شملت إحداها الحياة الخاصّة لأحد الناشطين.
وتضمّن القرص وثائق أخرى تعلّقت بإجراءات الحماية الخاصّة بالديكتاتور المخلوع في إحدى زياراته؛ إلى جانب تفاصيل عن التأمين الذاتي لمؤسّسات مالية وأيضا قائمة بأسماء أعضاء المجالس البلديّة لدوائر تونس العاصمة وضاحيتها الشماليّة.
واذ قرّرنا اليوم نشر هذه الوثائق فإنّ ذلك لا يعود بالأساس لأهمّية ما جاء فيها من معلومات. فأغلبها معروف للناشطين السياسيين والنقاببين وغيرهم. وإنّما لاعتقادنا بأهمّية محاولة كشف النقاب عن وسائل عمل ما يُسمّى بـ »البوليس السياسي » في تونس. اذ نعتقد انّ من أوكد مهامنا كإعلام مُواطني مستقلّ المساعدة في الكشف عن خفايا الحقبة المظلمة السابقة، بما يساهم في تحصين مكاسب الثورة التي قام بها شعبنا وتدعيمها حاضرًا ومستقبلاً. خاصّة وانّ هناك تزايدًا في الفترة الاخيرة لمعطيات تدلّ على انّ هذا « الجهاز » لم يتمّ حلّه بعد. بل وأنّه ما يزال نشطًا في مجال مراقبة التحرّكات والأشخاص من ذوي الخلفيّة السياسيّة. بل وربّما في تهديدهم والاعتداء عليهم أيضا.
ومن باب المسؤوليّة الصحفيّة فضّلنا الإكتفاء بنشر الوثائق التي تخصّ التجسّس على أنشطة سياسية ونقابيّة وطلابيّة. اذ انّ بقيّة الوثائق تضمّنت أسماءً وعناوين لأفراد أومؤسّسات مالية، ومعلومات أمنية تقنية لم نرَ « مصلحةً عامّة » في نشرها. وكان صاحب قرص التخزين، الذي لا نعرف اسمه، قد فقده يوم 28 فيفري أثناء مشادة جسديّة حدثت بينه وبين مجموعة من المعتصمين، بساحة القَصَبة. إذ اشتبهوا في كونه مندسًا بهدف بثّ البلبة في الإعتصام. وبعد أن تمكنّوا من القبض عليه وقع تسليمه لعناصر من الجيش.
استنتاجات عامّة
تدلّ الوثائق التي وصلتنا (والتي تأكّدنا انّ مصدرها الأصلي هو قُرص التخزين) على جملة من الاستنتاجات الممكنة:
- أوّلها انّه مثلما ذكر وزير الداخليّة، السيّد فرحات الراجحي قبل أسابيع بأحد البرامج التلفزيّة: يبدو انّه لا يوجد جهاز مستقلّ بذاته اسمه « البوليس السياسي » بل انّه يشارك في مراقبة الناشطين عناصرَ منتمين إلى أكثر من فصيل أمني. إذ أنّ مصدر التقارير كان دائمًا اقليم تونس للحرس الوطني. ويبدو من التقارير انّ كاتبوها يغطّون أنشطة وأحداث تجري في ولايتيْ تونس ومنوبّة.
- تغطّي الوثائق أحداثًا وقَعت بين بداية شهر ماي ويوم 25 ديسمبر2010 (أي بعد اندلاع الثورة في سيدي بوزيد). ويلاحظ أنّ التقارير (وهي ثلاثة من خمس تحصّلنا عليها) مُرقَّمَة وتحمل جميعها عنوان « بطاقة إشعار فوري. » كما يُلاحظ أنّ جميعها صادر عن إدارة إقليم تونس (التابعة بدورها للإدارة العامّة للحرس الوطني بوزارة الداخلية)، والتي تضمّ منطقتيْ الأمن بتونس ومنّوبة (وربّما غيرها). وأنّ محرّرها يقوم بتجميع تقارير ميدانيّة قادمة من فرق أمنية تابعة بالنظر الى هاتين « المنطقتيْن ».
إذ نجد من بين المصادر الأصليّة فرقة الأبحاث والتفتيش بمنّوبة والإدارة الفرعيّة للإرشاد بتونس. لكن ما يلفت الانتباه هو الاختصار الموجود أسفل اسم الجهة المصدرة: حرفيْ « ق/ع ». وهو ما يرجّح أن يكون اختصارًا لـ »قاعة عمليّات »، أو ربّما « قيادة عامّة. » وبغضّ النظر عن حقيقة هذا الاختصار فإنّه يدلّ، إلى جانب أسلوب كتابة التقارير، على أنّ محرّرها يقوم بتجميع تقارير استخباريّة ميدانيّة ويقوم بتوجيهها الى جهة أخرى غير معلومة. وهو ما يرجّح أن يكون للعنصر الأمني، صاحب قرص التخزين، رتبة وظيفيّة هامّة بإدارة إقليم تونس للحرس الوطني. وأنّه ليس الشخص نفسه الذي قام بأنشطة المراقبة الميدانيّة. وهذا ما تؤكّده أيضا طبيعة بعض المعلومات الحسّاسة التي تشملها بقيّة الوثائق.
- تدلّ التقارير على انّ المراقبة لا تقتصر فقط على معارضي النظام وإنّما تشمل أيضا بعض المحسوبين عليه.
مراقبة الناشطين حتّى في قضايا الطلاق
يُلاحظ بشكل عامّ ان التقارير الإستخباريّة تتعلّق بأنشطة تخصّ ناشطين سياسيين ونقابيين وطلاّبيين. وكان أكبرها الوثيقة رقم 5 المتعلّقة بمواكبة أحداث انتخابات المجالس العلميّة بمختلف أجزاء المركّب الجامعي بمنّوبة. وشملت هذه المواكبة رصد مختلف أوجه نشاط ناشطي الإتّحاد العام لطلبة تونس (من 11/12 الى 16/12). وذلك ابتداء ببياناتهم الإنتخابيّة، الى ما يقولونه في الإجتماعات العامّة، الى ما يهتفون به من شعارات. لكن يلاحظ ايضا انّ الرصد لم يقتصر على ناشطي « الإتّحاد » وانّما شمل أيضا مرشّحين مستقلّين، وحتّى طلبة التجمّع الدستوري الديمقراطي.
يًسجَّل انّ الرصد طال ايضا تجمّعًا دعا اليه « اللقاء النقابي الديمقراطي » بساحة محمّد علي (المقرّ المركزي للاتّحاد العام التونسي للشغل) صباح يوم 25/12. وكان ذلك في إطار مساندة الإحتجاجات الشعبيّة التي عرفتها جهة سيدي بوزيد. كما شملت المراقبة اجتماعًا للحزب الديمقراطي التقدّمي عشيّة نفس اليوم، بمقرّه المركزي بالعاصمة (وثيقة 4). وكان موضوعه ايضا مساندة احتجاجات سيدي بوزيد.
لكن ما بدا مفاجئًا بعض الشيء هو انّ المراقبة الإستخباريّة شملت ايضا الحياة الخاصّة لناشط سياسي منتمِ الى أحد أحزاب المعارضة « الديكوريّة »، كما كان يسمّيها منتقدوها. اذ تضمّنت الوثيقة عدد5 تغطية لما جرى في قضيّة من نوع الأحوال الشخصيّة، تهمّ أعد أعضاء المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبيّة.
مواضيع مراقبة غامضة
من بين الوثائق التي عُثر عليها بقرص التخزين كان هناك وثيقتان لم نفهم جيّدًا أسباب تواجدها عند أحد عناصر « البوليس السياسي ». الأولى وثيقة غير مُعرَّفة المصدر (على عكس التقارير الإستخباريّة أعلاه) بقائمة أعضاء المجالس البلديّة لمختلف الدوائر الإنتخابيّة بولاية تونس. وقد تضمّنت، الى جانب أسمائهم تواريخ ولاداتهم، صفاتهم أو مهنهم، وايضا أرقام بطاقات تعريفهم. ويُلاحظ انّ المعطيات الخاصّة بمجلسيْ تونس وباردو كانتا اكثر اكتمالاً من تلك الخاصّة بمجالس الكرم، المرسى، قرطاج وسيدي حسين. ممّا قد يدلّ على انّ الوثيقة لم تُستَكمل بعد الى ذلك، كان هناك وثيقة أخرى تعلّقت بـ »التأمين الذاتي للمؤسّسات المالية بمرجع نظر منطقتي تونس ومنّوبة. » وقد تضمّنت جدول معطيات عن: اسم البنك، العنوان، التأمين الذاتي الحالي، النواقص في التأمين الذاتي، مكان إقامة المسئول عنها.
تدابير ضخمة لحماية بن علي
وكانت أكثر الوثائق اثارة تلك المتعلّقة بالتدابير الأمنية الخاصّة بزيارة أدّاها الرئيس المخلوع الى الضيعة الفلاحية المثالية بمعتمدية البطان (ولاية منّوبة) في 12 ماي 2010. وأهمّ ما يمكن ان يُستشّفَ منها انّ الديكتاتور الهارب كان حريصًا للغاية على أمنه الشخصي. وانّه كرّس من أجل ذلك إمكانيات أمنيّة وماديّة وموارد بشريّة كبيرة.
إذ تضمّنت الوثيقة، من نوع « باوربوينت »، 137 صفحة فصّلت بشكل منهجي لافت مختلف مراحل خطّة الحماية. وشملت تفاصيل دقيقة عن مكان الزيارة وعن محيطه. كما اهتمّت بمختلف مراحل التحقّق من خلّو مسلك الزيارة من أخطار، امتدّت طيلة أسبوع كامل قبل وقوعها (فيما بدأ التحضير لها قبل عشرة أيّام على الأقلّ). وللتدليل على ضخامة هذه التدابير نكتفي بذكر أنّ تحضيرها تطلّب تكوين ثمان لجان وأنّ تنفيذها تطلّب مشاركة خمس وحدات أمنيّة مركزيّة وتعبئة أكثر من 1200 عنصر أمني (دون حسبان الحرس الرئاسي الذين لم تأت الوثيقة على ذكرهم).
وقد تضمنّت التدابير تفاصيل تقنيّة عديدة، فضّلنا عدم ذكرها لحساسيّتها الأمنيّة، لكنّها تضمنّت أيضا معطيات عن الخلفية السياسية والدعائيّة لهذه الخطّة. أهمّها أنّ حماية الرئيس المخلوع كانت تشتمل أيضا على مراقبة « العناصر النهضويّة » (أي المنتمية إلى حركة النهضة الإسلاميّة) و »العناصر السلفيّة » المقيمة قريبًا من مسلك الزيارة. ولعلّ « أطرف » ما يمكن ذكره في هذا الشأن هو ما جاء في مقدّمة الوثيقة. والحديث عن فقرة قد تعطي فكرة عن أسباب عجز كلّ هذه العقليّة الأمنيّة عالية الدقّة عن توقّع، فضلاً عن منع، « خطر » اندلاع الثورة الشعبيّة التي عرفتها بلادنا مؤخّرًا:
« يؤدي سيـادة رئيــس الجمهوريــة يوم 2010/05/12 زيارة إلى الضيعة المثالية الكائنة بمعتمدية البطان من ولاية منوبة. يمثّل هذا الحدث فرصة لأهالي ومتساكني الجهة للتعبير عن اعترافهم بالجميل بفضل الرعاية السامية بمشاغلهم والإنجازات التي تحققت في شتى الميادين. يحظى سيادة رئيس الجمهورية باستقبال شعبي (حوالي 5000 مواطن )، على أن يكون وصولهم بداية م
الساعة .07.00 صباحا على متن الحافلات من مختلف معتمديات الولاية
:للإطّلاع مباشرة على الوثائق
وثيقة عدد 3
وثيقة عدد 4
وثيقة عدد 5
فاروق صماري
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire