vendredi 4 mars 2011

ثورة سيدي بوزيد




عاشت تونس منذ يوم 17 ديسمبر 2010 على وقع الاحتجاجات الشعبية ضدّ البطالة والفقر والتهميش والغلاء والاستغلال الفاحش والفساد والظلم والاستبداد. لقد انطلقت هذه الاحتجاجات من سيديبوزيد قبل أن تعمّ معظم مناطق البلاد لأن الحرمان والظلم المعيشيين في سيدي بوزيد، يمثلان ظاهرة عامّة تضرب غالبية الشعب التونسي، ولأن الاحتقان الشعبي في سيدي بوزيد هو نفسه في كافة مناطق البلاد الأخرى.

لقد واجه نظام بن علي البوليسي والاستبدادي انتفاضة سيدي بوزيد والاحتجاجات في المناطق الأخرى بأسلوبه المعتاد، القائم على التعتيم الإعلامي والتضليل والمغالطة والكذب والقمع البوليسي الوحشي بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين العزل والقتل، بنيّة إخماد نار الاحتجاجات بسرعة ومنع تطوّرها.

ولكن هذا الأسلوب فشل هذه المرّة أيضا، بل إنه أجّج الاحتجاجات ووسّع نطاقها ودفع المحتجّين إلى تحويل مطالبهم من مطالب اجتماعية إلى مطالب سياسية تهمّ قضيّة الحريات. وحتى عندما خطب بن علي في اليوم الثاني عشر من الانتفاضة ليطلق الوعود الكاذبة ويتوعد بتشديد القمع الذي لم يستثن أحدا، فإن الجماهير الشعبية ردّت عليه بمواصلة احتجاجاتها.

إن الشعارات التي رفعتها الجماهير المنتفضة من جنوب البلاد إلى شمالها عبّرت بشكل مكثّف عمّا تراكم في وعيها خلال العشرين سنة الأخيرة من حكم بن علي: "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق"، "هزّوا يديكم ع البلاد يا عصابة الفساد"، "شغل حرية كرامة وطنية"، "حريات حريات لا رئاسة مدى الحياة"، "يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب"،"من بنزرت لبن قردان شعب تونس لا يهان"، "بن علي يا جبان شعب تونس لا يهان" "لا لا للطرابلسية يا سراق الميزانية"…

لقد أدركت الجماهير الشعبية بحسّها أن النظام الذي يحكمها لا يمثّلها بل يمثّل "عصابة من السراق"، حفنة من العائلات التي تنهب خيرات البلاد وثرواتها وميزانيتها وتبيعها للرأسمال الأجنبي، وهو يحرم الشعب من حريته وحقوقه مستخدما القوّة الغاشمة لأجهزة الدولة التي تحوّلت إلى "دولة للعائلات"، بغرض إذلاله وإخضاعه وترهيبه وثنيه عن النضال جاعلا من تونس سجنا كبيرا ومن التعذيب أسلوب حكم.

إن الجماهير الشعبية المنتفضة طرحت التغيير كمسألة ملحّة مؤكّدة اقتناعها بأن طموحاتها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق لها في إطار نظام بن علي. كما أن هذه الجماهير رسمت بنفسها طريق التغيير وهو طريق النضال، طريق الانتفاضة، دون مهادنة للدكتاتورية، وهو معطى جديد على غاية من الأهمية.

إنّ الشعب التونسي في حاجة إلى نظام جديد، ديمقراطي، وطني، شعبي، نابع من إرادته ويمثّل مصالحه العميقة، ومثل هذا النظام لا يمكن أن ينبع من النظام الحالي ولا من مؤسساته أو دستوره أو قوانينه بل على أنقاضها عبر مجلس تأسيسي ينتخبه الشعب في كنف الحرية والنزاهة والشفافية بعد أن يكون وضع حدا للاستبداد وتكون مهمّة هذا المجلس صياغة دستور جديد يحدّد أسس الجمهورية الدّيمقراطية ومؤسساتها وقوانينها.

إنّ الاحتجاجات الشعبية ما تزال مستمرّة إلى اليوم، ولا يمكن لأحد التكهّن من الآن بتطوّراتها. ولكن تونس، سواء استمرّت هذه الاحتجاجات أو تمكّنت الدّكتاتورية النوفمبرية من إخمادها بالقوّة الغاشمة، لن تبقى كما كانت قبل انطلاق الانتفاضة في سيدي بوزيد. إن تونس تدخل مرحلة جديدة من تاريخها تتميّز بنهوض الشعب من أجل استعادة حريته وحقوقه وكرامته.

إن هذا الوضع يطرح مسؤولية المعارضة وخاصّة فصيلها المتجذّر. إن ما يحتاجه الشعب التونسي في مثل هذه اللحظة التاريخية هو القيادة السياسية التي تسلّحه بالوعي والتنظيم، ببرنامج التغيير وخطّته.

إنّ المعارضة بكل قواها السياسية والمدنية المنظّمة وغير المنظّمة مدعوّة إلى تكتيل صفوفها حول رؤية وبرنامج للتغيير الديمقراطي لتشكّل البديل للاستبداد والدّيكتاتورية.

إنّ حزب العمال الشيوعي التونسي يجدد الدعوة إلى عقد الندوة الوطنية للمعارضة التونسيّة التي ستعالج هذه المسألة في أسرع الآجال.

كما يجدد الدعوة إليها للتنسيق اليومي على المستوى الوطني والمحلّي من أجل دعم التحركات الشعبية وتوجيهها نحو مطالب ملموسة ومحددة حتى لا تنتهي الحركة على فراغ. ومن أبرز هذه المطالب: 
وقف الحملات القمعية وإطلاق سراح كل المعتقلين ومحاسبة المسؤولين أمرا وتنفيذا عن أعمال القمع والتعذيب ونهب الممتلكات والقتل التي استهدفت المواطنين والمواطنات. 
رفع كل القيود الأمنية والقانونية والعملية عن حرية التعبير والتنظم والتظاهر. 
إقرار إجراءات فورية لفائدة المعطّلين عن العمل: منحة البطالة والعلاج والنقّل المجانيان والاعتراف بالأطر التنظيمية المستقلة للمعطلين عن العمل.

إنّ حزب العمال الشيوعي التونسي يؤكّد بمناسبة الذكرى 25 لتأسيسه أنّه سيظل كما كان دائما إلى جانب العمال والكادحين والفقراء وفي طليعتهم من أجل تونس جديدة، تونس الحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.


فاروق صماري

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire